الجزء الثالث
كان العاص بن الربيع في سفر طويل ، فلما عاد إلى مكة و دخل داره ، أبصر زوجته زينب تصلي ، و تقرأ بعض آيات القرآن من القرآن ، فوقف مبهوتا و عيناه تحدقان في زوجته تحديقا مخيفا ..!!
فلما فرغت زينب من الصلاة صاح فيها :
ماذا تصنعين يا زينب ؟
قالت : أصلي صلاة المسلمين !!
قال زوجها في غضب :
و هل أسلمت يا زينب ؟
قالت : نعم .. أسلمت و آمنت بمحمد رسول الله !!
قال الزوج : و كيف تسلمين دون إذن مني ؟
قالت زينب : أي إذن يا زوجي ؟
إن محمدا هو أبي ..و قد آمنت به ، و اتبعت دينه ، و عرفت أنه الدين الصحيح الذي يهدي إلى الرشاد ، و يخرج الناس من الظلمات إلى النور ؟
سمع الزوج حديث زوجته فركبه الغم و الهم .. و أقبل على ولديه ((علي و أمامة )) يضمهما إلى صدره ، و يقبلهما في حرارة و شوق !!
و سادت لحظات من الصمت بين الزوجين ، قالت زينب بعدها :
يا زوجي !! و ابن خالتي :
هل فكرت أن تسلم كما أسلمت ، و أن تؤمن بأن محمدا هو رسول الله ؟؟!
و أجاب الزوج في صوت تخنقه العبرات !
يا زينب ، يا ابنة خالتي :
إن قريشا لا ترضى أبدا أن تترك دينها و دين آبائها ..و أنا واحد من قريش !! بل واحد من سادتها و أشرافها .. فكيف تريدين مني أن أخرج عليهم و أترك ديني لأدخل في دين أبيك الجديد ؟!
قالت زينب :
لقد دخل في الإسلام عدد من سادات قريش و أشرافها .. منهم أبو بكر و عمر و عثمان و الزبير بن العوام و سعد بن أبي وقاص ..!!
و هؤلاء جميعا مشهود لهم بالزعامة و الشرف و سلامة التفكير و صحة الرأي .. أفلا تريد يا زوجي أن تكون واحدا من هؤلاء الأعلام السابقين في الإسلام ؟
* * *
سمع الزوج كلام زوجته زينب ، فأطرق إلى الأرض في حزن أليم !!
و بعد لحظات من الصمت الحزين ، رفع وجهه إلى زوجته و قال :
يا زوجتي و ابنة خالتي :
أنا لا أضمر لأبيك حقدا ، و لا أعتبره لي عدوا كما تعتبره قريش ..
و لكني لا أستطيع أن أدخل في دينه الجديد خوفا من ملامة قريش و عتابهم و تحقيرهم لشأني .
قالت زينب : و كيف يحقرون شأنك حين تترك عبادة الأصنام و تؤمن بالله خالق السماوات و الأرض ؟
قال الزوج : ستقول قريش أنني تركت دين آبائي و دخلت في الإسلام من أجل زوجتي ... و هذا على نفسي شاق و أليم !!
قالت زينب :
إن ديني يخالف دينك الآن ..! و سوف أعيش معك في الدار ، و لكن .. في حجرة خاصة !! أرعى ولدي و أقوم على خدمتهما ، و أرعى حقوقك كأب لولدي ، و كابن خالتي العزيز !!
لم يجب الزوج بكلمة واحدة ، و لكنه كتم في صدره آلاما مضنية ، و عذابا مريرا .. ذلك أنه يحب زوجته و أولاده حبا عميقا .. و لا يستطيع عنهما بعدا أو فراقا !!
لقد عامل الزوج زوجته معاملة كريمة بعد أن أسلمت و أصبحت على دين يخالف دينه ، فهو لم يقصر أبدا في واجب من واجباتها كزوجة و ابنة خالة له ..!
لقد كان في نفسه صراع عنيف !!
صراع بين حبه لزوجته وولديه ، و بين دينه و دين زوجته الجديد .. و لكنه تماسك و صبر صبر الرجل الشهم الكريم !
نهاية الجزء الثالث
في انتظار ردودكم العطرة لطرح الجزء الرابع