الجزء الثاني
عاد العاص بن الربيع من سفر بعيد ، فدخل على خالته خديجة في صباح يوم من الأيام ، و على وجهه علامات التعب و الإرهاق ..
و ارتاعت خديجة لمظهره و قالت له :
ماذا بك يا ابن أختي ؟ إن في ملامحك أثار التفكير و الإرهاق !!
و لم يجب العاص ..و لكنه انزوى في ناحية من الدار، و أطرق إلى الأرض، و راح في صمت عميق !!
واقتربت منه خالته و قالت له في حنان:
أتخفي في نفسك أمرا يا ابن أختي ؟
و هنا تشجع و قال في صوت خفيض :
يا خالتي ..: أنت تعلمين من أنا ..و تعلمين كذلك مكانة ((زينب )) عندي ، و مدى إعزازي لها ..
قالت خالته : أعلم ذلك يا لبن الأخت .. و ماذا تريد ؟
قال العاص :
تزوجيني ((زينب)) !!
قالت خالته :
إن شباب بني هاشم يتهافتون على زينب منذ أن أصبحت صبية !!
و أن بعضهم يقدم لها أعظم المهور و أغلى الهدايا ..
وانتفض العاص انتفاضة اهتز لها كل جسمه و صاح :
و هل خطبها أحد منهم يا خالتي ؟
و ابتسمت و قالت في رقة و عطف :
يا ابن أختي :
لقد شعرت منذ سنين بمدى شعورك نحو ابنتي ((زينب )) و أدركت أن لها في قلبك مكانا عزيزا ، و منزلة غالية !!
لهذا رددت الخطاب من أشراف بني هاشم ، و استصغرت ما قدموا فيها من المهور و الهدايا !
سمع ابن الربيع كلام خالته ، فغمره الفرح و البهجة و صاح : و أنا يا خالتي ؟؟
فقاطعته خالته و قالت :لا تقل كلمة واحدة قبل أن تفاتح أباها محمدا في الأمر !!
و توجع العاص و قال :
يا خالتي : أنا لا استطيع مفاتحة أبيها في أمري .. إنني أخشاه و أتهيبه !!
إنني كلما أراه أتضاءل و أفنى أمام عظمته و جلاله !!
قالت خديجة:سوف أعفيك من هذا ، و سأفاتحه أنا في هذا الشأن !!
بعد أسبوع من هذا الحديث ، عاد ابن الربيع إلى خالته خديجة ، فقالت له :
لقد كلمت أباها في شأنك فقال :
أن العاص بن الربيع قريب لنا و ابن قريب ..و نعم الشاب ..و نعم النسيب!!
كاد العاص بن الربيع يطير من الفرح حين سمع هذا الثناء ...و قدم لزينب أغلى المهور و قامت خالته بشراء الملابس و العطور استعدادا للزواج !
ثم زفت زينب إلى ابن خالتها العاص بن الربيع ، بين مظاهر الابتهاج و الفرح ، و قد قدمت خديجة إلى ابنتها زينب قلادة ثمينة هدية لها في زواجها السعيد !!
* * *
عاش الزوجان سعيدين ، و أنجبا ولدا اسمه ((علي )) و بنتا اسمها ((أمامه )).
ثم تزوجت أختا زينب رقية و أم كلثوم من ابني عمهما أبي لهب ((عتبة و عتيبة )) و لم يبق في دار خديجة سوى ابنتها الصغرى فاطمة .
ثم هبط الوحي على محمد في غار حراء بالرسالة المحمدية الكريمة ، فأصبح رسول الله إلى قومه..
من ذلك الحين بدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم يكافح و يناضل ضد المشركين في سبيل نشر رسالته .. رسالة الإسلام العظيم !!
و آمن بمحمد أول من آمن خديجة زوجته ، و علي بن أبي طالب ، و بناته جميعا و على رأسهن زينب زوجة العاص بن الربيع !!
و بدأت قريش تعادي النبي صلى الله عليه و سلم و تضع في طريقه العقبات ، و تلحق به الأذى و الاضطهاد !!
و كان من أبرز هذه العداوة أن ((أم جميل )) زوجة ((أبي لهب )) أرغمت ولديها على رد رقية و أم كلثوم إلى أبيهما ، إذ لا ينبغي أن يصاهر ولداها رجلا مثل محمد صلى الله عليه و سلم يسفه دينهم و يحتقر آلهتهم و يدعوهم إلى دين آخر غير دينهم و دين آبائهم الأولين !!
نهاية الجزء الثاني
في انتظار ردودكم العطرة لطرح الجزءالثالث